مزيج من التعدد والاختلاف في معرض الفنانين السعوديين الستة

مزيج من التعدد والاختلاف في معرض الفنانين السعوديين الستة


جدة: محمد المنقري
يستضيف اتيليه جدة للفنون الجميلة هذا الاسبوع الجولة الثانية لمعرض الفنانين السعوديين الستة وفيه يقدمون مجموعة مختارة من الاعمال الفنية تعكس المستوى الذي وصل اليه الفن التشكيلي في السعودية ويستمر الى منتصف شهر ديسمبر (كانون الثاني) الجاري.
ويشارك في المعرض كل من الفنانين طه الصبان، عبد الله حماس، رائدة عاشور، دينا العظمة، عبد الله الزهراني، شاليمار شربتلي، ويحل الفنان بكر شيخون ضيف شرف على المعرض.

تقدم الاعمال المشاركة صورة بانورامية عن ملامح المشهد التشكيلي الذي تتآخى فيه التجارب، وتتآزر من اجل الوصول الى المتلقي دون الالحاح في الترويج واعمال العلاقات العامة في سبيل الوصول الى اكبر شريحة من الجمهور.

وتواصلا مع عطاءاته السابقة يعرض الفنان طه الصبان العائد للتو من بيروت مجموعة من لوحاته التي تعكس روحه الثقافية، وعمق تأملاته معتمدا نسقا فريدا في التعامل مع الفكرة واختزال المعاني امام عين المشاهد، ففي لوحاته عبق متجدد يستمد طاقاته من زرقة البحر والشجر وبنايات المدن في عناقها البهي وقباب مساجدها التي تتناغم محتفلة بحكايات الصحو والخصوبة ممعنة في استمطار كل ما هو مشرق في سماء التجربة الانسانية.

ويرفد تجربة الصبان ثراء السنوات الاولى التي امضاها في مكة المكرمة وجدة بين عالمين يضج الاول بحياة الناس وتنوع ثقافاتهم، ويمتاز الثاني باطلالته الفريدة على البحر ومعانقة اشرعة السفائن في الصباح والمساء.

ولا تفصح لوحات الصبان عن نفسها بشكل طيع مهما بدا المشاهد مؤتلفا معها انها باختصار تعقد معه الفة بصرية من النظرة الاولى، لكنها مفتونة بعمقها وشموخ هامتها فلا تتوقف من مخاتلته والرحيل به الى عالم صوفي مشبع بالتراتيل والزخرفة البيانية من غير المعقول الادعاء بامتلاك نواصيها دفعة واحدة.

ويشعر المتلقي لاعمال رائدة عاشور بثراء التصوير الشعبي عبر الخطوط والالوان والرموز والاشكال التي تعيد الذاكرة الى المخزون الثقافي الشعبي الذي تحمل بالعديد من الدلالات للتقاليد والاعراف والغايات ليكون بذلك فنا وظيفيا توزع بين الهدف الديني والاسطوري، او العلاج بقصد الاستشفاء من بعض الامراض وعليه فإنها تؤكد ان اعمالها المعاصرة ما زالت ثرية بتلك الرموز في زمنها الجديد، وهذا يخلق بيننا رابطة الحب القوية ودلالات الحياة.

وتشير رائدة عاشور الى ما تحمله اعمالها من نداء لكل فرد للالتفات للتراث باعتباره كنزا ونحن داخلون في عالم تلعب فيه التكنولوجيا دورا مهما في الاعلام وطمس شخصيتنا وهي دعوة للتمسك بالشيء الاصيل وكثيرون يشعرون بذلك ونجد في اوقات عدة نوعا من الاحترام لهذا العمل الذي يدعو لعمل مدرسة فنية خاصة بنا مستقلة ليست مستقاة من اي مدارس غربية لأن لدينا تراثنا الغني في الفنون ونستطيع الاعتماد عليه، ثم نستعين بالتقنيات مثل اي مجال آخر.

ولا تنزعج رائدة عاشور من الذين ينظرون الى الفن التشكيلي باعتباره جزءا من الديكور وهي اطلالة قد لا تتأمل جيدا رؤى العمل وابعاده الدلالية والى ذلك تشير قائلة: احترم هذا اللون من الفن الذي يخلق تاريخا ولا يضيرني ان ما اقدمه يقوم بناحية تزيينية في الديكور او غيره لانها تحب ان يدخل عملها كل بيت وهو فن يمكن تنفيذه على الوسائد، او على الجدران حتى يصبح فنا للجميع بدلا من شراء قطع اخرى لا تدل على شيء.

ويرى الناقد المصري كمال الجويلي ان لوحات عبد الله حماس تتميز بالتنوع والتنغيمات التجريدية وعذوبة الحوارات اللونية وثرائها شديد الايحاء حيث بقعة الاحمر الساخن الصغيرة تستطيع ان تفرض طاقاتها بحيث تصبح مركز الحركة في اللوحة تدور الالوان والاشكال من حولها في حوار لا يتوقف، ويظل متجددا، ويبدو انه قبل ان يصل الى التجريد ظل يقدم لفترة الموتيفات التراثية والرموز، كالنخلة رمز الخصب والضباب او البنائيات الهندسية حتى خلص الى روائعه الجمالية التجريدية.

وتحضر الرموز الهندسية ودلالات البيئة التراثية في اعمال رائدة عاشور ولكن بصيغة الكولاج والجرافيك مستثمرة بحكمة بالغة الدلالات الرمزية للهلال وهندسة المباني في عمل فني تبدو علاقته الوثيقة المتجددة بالفن الشعبي الرمزي وتعويذاته، وهو نوع رسخته رائدة عاشور منذ سنوات بصبر ومثابرة.

ويحار الذين يزورون المعرض في الوقوف امام اعمال شاليمار شربتلي حيث الصخب اللوني العارم وتكثيف الرموز وكسر ابعاد المألوف وادراجه بشكل عنيف في بيئة اسطورية غريبة من الصعب التهادن معها سريعا.

وتعزف دينا العظمة تنويعات الحضور والغياب للوجه الانثوي في لوحة تعج بالدفء البادئ كما لا تخلو من ضبابية الافق وغموضه.

ويفاجئ عبد الله الزهراني الجمهور بلوحات جديدة يسودها الغموض والايحاءات المتضاربة لتختلف حولها التفسيرات، لكن الجميع يتفقون على مهارة الفنان في مزج الالوان وافساح افق تتحرك فيه العيون بين الظلمة والنور والسر والجهر يدعم ذلك جرأة في اصطحاب المشاهد الى متاهات لا تحد.

ويحل الفنان بكر شيخون ضيف شرف على المعرض السداسي فيقدم ثلاثة اعمال تنتمي للمفاهيمية وما بعد الحداثة ابرزها العمل الذي ادهش كل من شاهده في بينالي القاهرة الاخير، وفيه ينهض السلم مقلوبا معزولا عن واقعه ليرتطم بالسقف متخليا عن قيمته الوظيفية رغم اتقانه المفرط وجمال الدربزاين الزجاجي الشفاف بقواطعه اللامعة.